الجنسية في القانون الجزائري
الخطـــة المتبعـــة
مـقـدمـة.
الفصل الأول: القواعد الموضوعية في الجنسية الجزائرية.
المبحث الأول: ثبوت الجنسية الجزائرية.
المطلب الأول: ثبوت الجنسية الجزائرية بصفة أصلية.
الفرع الأول: ثبوت الجنسية الجزائرية عن طريق رابطة الدم.
الفرع الثاني: ثبوت الجنسية الجزائرية عن طريق رابطة الإقليم.
الفرع الثالث: ثبوت الجنسية الجزائرية عن طريق الجمع بين رابطة الدم و رابطة الإقليم.
المطلب الثاني: ثبوت الجنسية الجزائرية بصفة لاحقة ( الجنسية المكتسبة).
الفرع الأول: اكتساب الجنسية الجزائرية بفضل القانون.
الفرع الثاني: اكتساب الجنسية الجزائرية بالتجنس.
الفرع الثالث: اكتساب الجنسية الجزائرية عن طريق الاسترداد.
الفرع الرابع: آثار الجنسية المكتسبة.
المبحث الثاني: فقدان الجنسية الجزائرية.
المطلب الاول: الفقد الإرادي للجنسية الجزائرية.
الفرع الاول: الجزائري الذي اكتسب عن طواعية في الخارج جنسية أجنبية.
الفرع الثاني: حالة الجزائري- و لو كان قاصرا- الذي له جنسية أجنبية أصلية و أذن له بموجب مرسوم بالتخلي عن الجنسية الجزائرية.
- 06 -
الفرع الثالث: حالة المرأة الجزائرية التي اكتسبت فعلا جنسية زوجها الأجنبي بسبب زواجها و أذن لها بموجب مرسوم بالتخلي عن الجنسية الجزائرية.
الفرع الرابع: حالة الجزائري الذي يعلن عن تنازله عن الجنسية الجزائرية طبقا للفقرة 3 من المادة 17 من قانون الجنسية.
الفرع الخامس: آثار فقد الجنسية في الحالات السابقة.
المطلب الثاني: الفقد اللاإرادي للجنسية الجزائرية.
الفرع الاول: إسقاط الجنسية الجزائرية.
الفرع الثاني: التجريد من الجنسية الجزائرية.
الفرع الثالث: سحب الجنسية الجزائرية.
- 07 -
الفصل الثاني: القواعد الشكلية في الجنسية الجزائرية.
المبحث الأول: مسألة الإثبات في مواد الجنسية.
المطلب الاول: عبء الإثبات في الجنسية الجزائرية.
المطلب الثاني: وسائل الإثبات في الجنسية الجزائرية.
الفرع الاول: وسائل إثبات الجنسية الوطنية ( الجزائرية ).
الفرع الثاني: وسائل إثبات الصفة الأجنبية.
المبحث الثاني: المنازعات المتعلقة بالجنسية الجزائرية.
المطلب الاول: الإختصاص القضائي في مسائل الجنسية.
الفرع الأول: الإختصاص الوطني ( الداخلي ).
الفرع الثاني: الإختصاص الدولي للجهات القضائية الجزائرية في مسائل الجنسية.
المطلب الثاني: حجية الأحكام الفاصلة في مسائل الجنسية.
الفرع الاول: أسباب منح أحكام الجنسية الحجية المطلقة.
الفرع الثاني: الحجية في أحكام المحاكم غير المختصة بصفة أصلية.
خـاتـمــة.
مــقــدمــة
بســــم الله الرحمـــن الرحيــم
و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين، تتويجا لنهاية التكوين فـي المدرسة العليا للقضاء، تم تكليفنا بإعداد مذكرة للتخرج، يتعلق موضوعهـا بأحكام الجنسية في القانون الجزائري.
فنحن جميعا نعلم بان الفرد يرتبط في حياته بعدة روابط تجمعـه مع عائلته، مجتمعه، أمته...، و لعل أهم رابطة من بينها تلك التي تجمعه مع دولته و ذلك لما ينجم عن هذه الرابطة من التزامات يتحملها و حقوق يتمتع بها، و تتجسد هذه الرابطــة فـي الجنسية كنظام قانوني يحكم هذه العلاقة. و الدولة كشخـص من أشخـاص القانون الدولي العام المعترف بها من قبل الدول الأخرى، و التي تمـارس سلطـة فعلية على ارضي وسكان معينين مع تمتعها بأهلية تمثيل مصالحها الوطنية، و هي بهذا المفهوم تمثل أهم عنصر في رابطة الجنسية و ذلك لكونها صاحبة السيادة في تحديد مواطنيها بمعنى عنصر الشعب فيها، فلا تقوم الدولة دون هذه العنصر أو الركن الأساسي، كما أن الشعب يتميز عن غيره من الشعوب بانتمائه الى هذه الدولة.
غير أنه قد يجتمع في شعب دولة واحدة عدة أمم، كما قد تتوزع أمـة واحدة على شعوب عدة دول، فالجنسية بالتالي تعبر عن الرابطة القانونيـة بين الدولة و مواطنيها، بينما تتميز الأمة باعتبارها رابطة اجتماعية تعبر عن انتماء روحي أكثر منه قانوني.
مقـدمـة
و من الجهة الثانية للعلاقة نجد الفرد، الذي يرتبط بالدولة مـن خـلال حمل جنسيتها، فالشخص الطبيعي بتمتعه بجنسية دولة ما يصبح جزء منهـا أينما حل في غيرها من الدول، بمعنى أنه يستفيد مـن حمايـة تلك الدولـة دبلوماسيا إذا ما تعرض الى أي إشكال في الخارج، كما أن له أن يشارك في الحياة القانونية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية ... لدولته .
أما الشخص المعنوي، فقد اصطلح علـى استعـارة مفهـوم الجنسيـة لتحديد النظام القانوني الذي يرتبط به، فهو بهذا المفهوم يختلف عن الشخـص الطبيعي الذي تعبر جنسيته عن وضعية اجتماعية أكثر منها قانونية، بينمـا الشخص المعنوي فجنسيته تعبر عن وضعه القانوني و الاقتصادي من خلال الخضوع لقانون دولة جنسيته.
كما لا يفوتنا في هذا المقام أن نشير الى أن اصطلاح الجنسية يطلـق على بعض الأشياء للدلالة على ارتباطها بقانون الدولة الذي يحكمها، فنجـد أغلب التشريعات تتعرض لجنسية البواخر و الطائرات و السفن للتعبير عـن انتمائها لتلك الدولة، فمثلا قانون الجنسية الجزائري في مادته الخامسة ينص على أن << يفهم من عبارة بالجزائر مجموع التراب الجزائـري و الميـاه الإقليمية الجزائرية و السفن و الطائرات الجزائرية>>.
و تبعا لما سبق ذكره فإنه يعود للدولـة صلاحيـة تحديـد مواطنيهـا و ذلك مـن خلال تنظيم قواعد الجنسية في تشريعها الداخلي، و هـذا مـا استقـر عليـه المجتمع الدولي، بعد استبعاد نظرية العقد للتعبير عن الطبيعة
مقـدمـة
القانونية لرابطة الجنسية و التي كانت سائدة خـلال القـرن التاسـع عشـر ميلادي. ذلك أن إرادة الفرد أو الدولة لا تتدخل في ولادة شخص على إقليـم دولــة ما أو مـن دم شخص ينتمي لدولة أخرى، فبمجرد حصـول هـذه الحالات الواقعية تثبـت الجنسية للفرد.
و مسألة الإرادة ربما لا زال من الممكن طرحها عند الحديـث عــن اكتسـاب الجنسية.
و لقد كرس مبدأ سيادة الدولة في وضع تشريع لتنظيم جنسيتهـا فـي اتفاقيــة " لاهاي" المؤرخة في 12/04/1930 و في عـدة آراء لمحكمـة العدل الدوليـة و لقد نتج عن هذا المبدأ وجود حـالات عديـدة لأشخـاص يحملون عدة جنسيات و أشخاص آخرين لا يحملون أية جنسية، و هـذا مـا يعرف بتعدد الجنسيات في الحالة الأولى و في الحالة الثانية بانعدام الجنسية.
و الدولة الجزائرية كسائر الدول بعد أن استعادت سيادتها الوطنية بدفع ثمن باهضا من دماء شعبها، يصير لها مطلق السيادة في وضع قانون تحدد من خلاله أحكام التمتع بجنسيتها، و الأمر 70/86 المؤرخ في 17 شـوال 1390 هجرية الموافق لـ 15/12/1970 هو التشريع المنظم لمادة الجنسية الجزائرية، و الذي جاء معدلا لقانون الجنسية الصادر تحت رقم 63/96 بتاريخ 27/03/1963.
فالجزائريون إبان فترة الاستعمار لم يكونوا متمتعين بحقوق المواطنـة الفرنسية كما هو الشأن بالنسبة لليهود أو المعمرين الفرنسيين، فقد كـان أول
مقـدمـة
ظهور لكلمة << الجزائر >> في أمر 31/10/1838، كمـا أن دستــور
1848 اعتبر اقليم الجزائر اقليما فرنسيا، هذا الإقليم الـذي تحـدد بموجـب
اتفاقيتي طنجـة (10/09/1848) و لالة مغنية ( 18/09/1845) غيـر أن تناول الجزائريين كأفراد ظهر في المرسوم التشريعي المـؤرخ فـي: 14/08/1865 في عهد نابليون الثالث، و الذي فتح المجال للاستفـادة مـن حقوق المواطنة الفرنسية من خلال طلب التجنس الذي يمنح بمرسوم.
و لم يفد قانون << جونار >> المؤرخ في 04/02/1919 فـي إزالـة التمييـز بين طالبي التجنس من اليهود و المسلمين الجزائريين إذ انه تعلـق فقط بالذين خدموا فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى. و في الواقع أن شرط التخلـي عن تطبيق الشريعة الإسلامية في حالة التجنس فرنسيـا هو الـذي يفسـر قلـة طلبات التجنس من طرف المسلمين و كثرتها من اليهود.
و خلاصة هذه المرحلة أنه رغم وجود عـرف دولـي يقضـي بـأن للمواطنين في الأقاليم المستعمرة او الملحقة جنسية البلد المستعمر، فإنه على الصعيد الداخلي كان هناك دوما تمييز بين السكان الأصليين ( الجزائريين ) من جهة و المستعمرين و اليهود كفرنسييـن من جهـة أخـرى إذ يعتبـر الجزائريون رعايا و الآخرون مواطنون. و ظل الأمر كذلك إلى غاية صدور أمر 07/03/1944 ( الجنرال دوقول) الذي نص في مادته الأولى على تمتع فرنسيي الجزائر المسلمين بكافة الحقوق و خضوعهم لكافة واجبات الفرنسيين غير المسلمين.
مقـدمـة
و صدر بعدها قانون " لامين" المؤرخ في 07/05/1946 الذي ساوى بين المواطنين الفرنسيين و رعايا أقاليم ما وراء البحار، و الجزائر من بينها.
و بالتالي أصبح هنالك في الجزائر نوعين من المواطنين الخاضعين للتشريع
الإسلامي، و الخاضعين للقانون المدني.
إلا انه و إثر سبع سنوات من الكفاح المرير و المستميت رضخت فرنسا للتفاوض مع الجزائريين حول حريتهم، فأبرمت مع الحكومة المؤقتة اتفاقيات " إيفيان " سنة 1962 لينال الشعب الجزائري استقلاله في الخامس من جويلية سنة 1962 بعد أن كتب اسمه في التاريخ بأحرف من دم.
فقانون الجنسية الجزائرية لسنة 1963 كان لا بد من تعديلــه لمــا احتـواه من أحكام اقتضتهـا ظـروف اتفاقيـات " إيفيان " خاصـة فيمـا يتعلـق بالفرنسـي بالجزائر من غير أصل جزائري.
و سنحاول من خلال هذا العمل أن نناقش مختلـف أحكــام قانـون الجنسيـة الجزائري الحالي بناءا على الخطة الموضحـة أدنـاه و التــي اعتمدنـا فيهـا التفريق بين القواعد التي تنظم موضوع مادة الجنسية و هـو محتوى الفصـل الأول، و القواعد التي تنظم المسائل الشكلية و هو محتـوى الفصل الثاني.
بعد أن حاولنا التعرض لبعض الجوانب الفقهية و التاريخية في مقدمة هذا العمل نبدأ بهذا الفصل الذي اخترنا له العنوان المذكور أعلاه، ألا و هو القواعد الموضوعية و الذي سنحاول من خلاله تفصيل مسألتين أساسيتين متعلقتين بالشروط و الحالات و تفصيلها و آثارها، المتعلقة بثبوت الجنسية الجزائرية و هو مضمون المبحث الأول أما في المبحث الثاني فسنفصل في فقدان الجنسية الجزائرية و سيكون ذلك كما يلــي:
- 10-
الـفـصـل الأول
المبحـث الأول: ثبـوت الجنسيـة الجزائريـة:
يبدو أن الفقه استقر أغلبه على فكرة أن الجنسية رابطة بين الفـــرد والدولة، و من المعلوم أن لكل شيء سببا، فتمتع فرد بصفته الجزائرية التـي تنجم عنها آثار مهمة على مستواه و مستوى الدولة الجزائرية له أسبابه فـلا يمكن تصور أن الفرد يعد جزائريا بصورة فجائية حتى و لو كانت مسألــة منحة تتكـرم بهـا عليه السلطات الجزائرية فلكي تثبت للفرد جنسية الدولـة لا بد أن تتوافر فيـه شروط وأسباب و التي قد تخرج عن إرادته كولادته من دم جزائري أو على إقليم جزائري أو قد تتعلق بإرادته كأن يتجنس بالجنسية الجزائرية، فيكـون ثبوت الجنسية في المثالين الأولين بصفة أصلية و منـذ بداية الحياة القانونيـة للشخص و هذا مضمون المطلب الأول، أو قد يكـون ثبوت الجنسية الجزائرية بصفة لاحقة و هو ما يعبر عنه المثال الثاني و هو أيضا مضمون المطلـب الثانـي.
- 11 –
الـفـصـل الأول
المطلـب الأول: ثبـوت الجنسيـة الجزائريـة بصفـة أصليـة:
إن أي ملاحـظ اليوم إلى النسيج البشـري و فـي دولـة مهما كانت نوعيـة علاقاتها الدولية أو علاقات رعاياها ببقية رعايا الدول الأخرى، فإنـه يجد أن هنالك من سيكون انتماؤه لتلك الدولة أقوى من غيره فبذلك نجد أن هنالك من له جنسيـة أصليـة و هنالك من تكون له الجنسية إلا أنها ليست أصلية، و قد تعددت نظرات الفقه لهذه المسألة، و أردنا طرحها في بداية دراسة هذا المطلب حتى لا نعود إليها مرة أخرى، فنحن نجد أن من يكتسب هذه الجنسية أو تلك ليس كمن كانت له منذ ميلاده، لذلك فإن وصف الجنسية بأنها أصلية هو تمييز لها عمن تثبت له بعد ميلاده دون أن ترتب آثارها من لحظته بل من لحظة ثبوتها لذلك يرى د.عز الدين عبد الله بوصفه ما سنتطرق له في هذا المطلب بجنسية الميلاد أو جنسية الأصل (1)، فهي تثبت للفرد بميلاده، و نجد معيارين أو أساسيين أو سببين لهذا الثبوت الأول يتعلق بالدم أو بثبوت النسب من أصل معين و الثاني يتعلق بأن يتم الميلاد على الإقليم فتمنح الجنسية لصاحبه بناء على ذلك، إلا أنه من المتبع دوليا هو أخذ كلا المعيارين و إضافة معيار آخر ثالث لهما إن صح التعبير هو خليط
(1)- الدكتور عز الدين عبد الله، القانون الدولي الخاص الجزء الأول الطبعة 11 مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب ص 155
- 12 -
الـفـصـل الأول
بينهما فيكون ثبوت نسب أو ارتباط عرقي معين مع وقوع الميلاد على الإقليم سببا لثبوت الجنسيـة للفـرد. فأهمية اتخاذ أحد هذه المعايير أو كلها تكمن في تحديد أكبر قسم مـن عنصر الشعب أو السكان في الدولة، فالملاحظ أن أغلب حاملي الجنسية فـي أي دولة مهمـا كانت طبيعة أنظمتها السياسية أو الاجتماعية يكونون من فئة أصحاب الجنسية الأصلية أو جنسية الميلاد و هذا سبب كافي لبيان أهميتهـا. و قبـل تفصيـل المعايير التي اتخذها المشرع الجزائـري بتحديــد الجنسية الجزائريـة الأصلية و بيان ثبوت الجنسية الأصلية بناء علـى كـل منها لابد من التذكيـر أن مفهـوم الجنسية كرابطة بين الفـرد والدولة لـم تعد كمـا فـي السابـق قائمـة علـى الانحدار من جنــس معيـن أو الانتمـاء إلـى أمة أو قوميـة محـددة بـل أصبحت المسألــة أكثـر دقــة مــن الانتماء القبلي أو غيرها من الأسس العنصريــة لتحديـد الجماعـات، فقــد أصبحـت الجنسية اليوم كرابطة مهمة في الدولة تقوم على اعتبارات أخرى أولهـا الاعتبـارات السياسيـة لتليهـا الاعتبـارات الاقتصاديـة، و لكـن الاعتبـارات الاجتماعيـة تراجعـت ورغم ذلك سنلاحظ فيما يأتــي أن الجزائـر ككتلـة اجتماعيـة لازالـت تعتمـد هـذا المعيار أي الانتمـاء إلى الجماعــة أو الانحـدار مـن السلالـة الأصليـة لتحديد مواطنيها رغــم الإستثناءات المسجلة بفعل الواقــع أو نبص القانون.
- 13 -
الـفـصـل الأول
و نجد بالتالي أن أمامنا ثلاثة فروع لابد من تفصيلها الأول يتعلــق بثبـوت الجنسية الجزائرية عن طريق رابطة الدم و الثانـي عبـر رابطـة الإقليـم و الأخير عبر الجمع بين الرابطتين.
- 14 –
الـفـصـل الأول
الـفـرع (1): ثبوت الجنسية الجزائرية عن طريق رابطة الدم:
تنص المادة السادسة من قانون الجنسية الجزائرية على ما يلي:
<< يعتبر من الجنسية الجزائرية بالنسب:
1- الولد المولود من أب جزائري
2- الولد من أم جزائرية وأب مجهول
3- الولد المولود من أم جزائرية و أب عديم الجنسية.>>
فنجد أن بمقتضى هذه المادة أن من ينتمي بنسبه لأب جزائري يعد جزائريـا بالنسب و هذه الصياغة تعبر أن الأساس هنا هو الانتماء لأصل جزائــري و النسب هو تعبير عن رابطة الدم، وإيراد المشرع الجزائري لهذا الأسـاس لثبوت الجنسية الجزائرية و جعله أول أسباب ثبوت الجنسية الجزائريـــة الأصلية أو بالميلاد لم يكن سوى وفاء لأول أسباب الانتماء و هو النسب أو الأسرة، و الذي يعد منذ القدم أول أشكال التجمع و الذي كان يظهر في شكل العائلة أو الأسرة، فكان توثيق هذا السبب لثبوت الجنسية بصفــة أصليـة و اعتماده قبل غيره ليس إلا تجذيرا للأصل الجزائـري و تكريســا لأول مظاهر التجمع و هو الانتماء الأسري و الدمي و الذي يعد أسـاس قيــام الدولة بمفهومها المعاصر و أول مظهر لها، حتى قبل تطـور البشريـة. لكن المسألة لم تكن بهذه البساطة بدايـة الأمر، و مع أن ذلك لا يمكن طرحه إلا بشكل انفرادي بالنسبة لبعض العينات من الأشخاص إلا أن الأمر قبل أكثر من ثلاثة أجيال كان صعبا جدا، و توضيح ذلك يكمن في الإطلاع على نص المادة 32 من قانون الجنسية التي جاء فيها: << عندما يدعــي
- 15 -
الـفـصـل الأول
شخص الجنسية الجزائرية كجنسية أصلية، يمكن إثباتها عن طريق النسـب بوجــود أصلين ذكرين من جهة الأب مولودين في الجزائـر و متمتعيـن بالشريعــة الإسلامية... >> و رغم أن مسألة الإثبات سيأتي تفصيلها على حدى في الفصل الثاني المتعلق بالقواعد الشكلية التي تحكم مسائل الجنسيـة، إلا أنه لابـد مـن الإشارة أن مسألة تحديد من يكون جزائريـا بداية قبـل الحديث عن ثبـوت الجنسية الأصلية لفروعه طرحت مع فجر الاستقــلال، فالمعلوم أن الدولة الجزائرية هي دولة فتيـة و أن سنوات الاحتلال خلفـت إرثـا سياسيا و اجتماعيا و ثقافيا معقدا فكان من الصعب الحديث عــن << الجزائري >> و تمييزه عن غيره خاصة مع عوامل و ظـروف تلك الفترة – ما بعد الاستقلال مباشرة - فأهمية تحديد الجزائري عن غيره تصبح مسألة سيادة خاصة إن تعلـق الأمر بسيادة استعيدت منذ شهور إن لم نقـل أيام لا غير، فكانت المادة 34 من قانون الجنسية الجزائري لسنة 1963 لـم تختلف كثيرا عن مضمون المادة 32 المذكورة أعلاه و المطبقة حاليا، فكانت تلك الفترة هي من الصعوبة بمكان لتحديد الجزائري نسبا فيكـون جزائريـا أصليا كفئة أولى يتحدد بها النسيج البشري للمجتمع و الكيان الجزائـري. و التعليق بعدما ذكرنا على اعتماد وجود أصلين ذكرين فـي عمـود النسب الجزائري و أن يكون مولدهما بالجزائر مـن جهـة، ثـم الخضـوع للنظـام الإسلامي أو التمتع بالشريعة الإسلامية من جهة أخـرى، فالتعليـق على كل هذا يقودنا إلى تحديد الجيل الأول من الجزائريين في ظـل الدولـة الحديثـة التـي سيكون فيما بعد تحديد من يعد جزائريا للانتماء إليهم ليصبح
- 16 –
الـفـصـل الأول
أمـرا أيسر و أسهل بتطبيق المعيار على الحالة المعروضة مباشــرة دون عنـاء كالـذي يذكر عند هذا ا لجيل الأول إن صح التعبير (1). و خلاصة ما تم التطرق إليه هو أن هذا المعيار أي رابطــة الــدم كأسـاس لتحديد الجزائري الجنسية بصفة أصلية كان يعتمد عناصر أخـرى عند بدايـة تطبيقه مع قانون 1963 للجنسية خاصة مع تلك الظروف. فالمادة السادسة بالتالي تضع لثبوت الجنسية الجزائريـة الأصلية عـن طريق رابطة الدم شرطين أساسييـن، أولهمـا تمتــع الأب بالجنسيــة الجزائرية وقت ولادة الطفـل و الثانـي هو ثبوت نسـب الطفل مـن أبيـه الجزائري.
الشــرط 1: تمتع الأب بالجنسية الجزائريـة عند ولادة الطفـل:
و مقتضى هذا الشرط هو أن يكون هذا الأب جزائريـا عنــد ولادة طفلـه، و إثبـات ذلك يكون بإبراز شهادة الجنسية إن وجدت مـع أن الأمر يكون بصورة آلية عندما تكون مسألة ثبوت الجنسية للأب غير متنازع فيها،
و إلا تصبـح المسألـة محتاجة للإثبات، و معناه الرجوع للمادة 32 مـن قانـون الجنسيـة و لقواعـد الإثبات التي سيلي تفصيلها لاحقا، فيصبـح ثبوت جنسية الأب عند لحظة الميلاد منهيا للمسألة، و لقد قدمنا الحديث و لو بشكل مختصر عن بداية تطبيق هذه الحالة.
(1)- بهذا الصدد لا بد من تحديد التطور التاريخي لوضعية الجزائريين قبل و أثناء فترة الإستعمار و عند نهايته و للتفصيل راجع الدكتور محند إسعاد القانون الدولي الخاص الجزء الثاني ص 140 و ما بعدها.
- 17 -
الـفـصـل الأول
و مسألة ثبوت الجنسية الجزائرية للأب لا يهـم معهـا أن تكـون أصليـة أو مكتسبة كما أن جنسية الأب عند حمـل الأم بولدها لا تهـم مـع حصول الميلاد في حال تكون معها جنسيته جزائريـة، و تكون جنسية الابن هنا جنسية أصلية. كذلك لا يغير في الشرط شيء عنـد حصول وفـاة الأب قبل لحظة ميلاد ابنه طالما أنه كان جزائريا لحظة وفاته، و هذا رغم ما أثاره الفقه من جدل حول ثبوت الجنسية للابن مع حالة الوفاة.
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن قيام الزوجية غير مشروط لثبوت الجنسية للابن، إذ أن قيامها عند الحمل كاف ووقوع الطلاق قبل الولادة لا يمس من انتماء الابن لأبيه نسبا و بالتالي لا يختل الشرط كمـا أن مكـان الميلاد سواء في الجزائر أو الخارج لا يؤثر على ثبوت الجنسية لعدم نص المادة عليه فالنص جاء عاما.
الـشـرط 2: - ثبوت نسب الطفل من أبيه الجزائري:
و للحديث عن هذا الشرط لا بد من العودة إلى الحالات التي يثبت فيها نسب الابن لأبيه في ظل القانون الجزائري، و رجوعا لنص المادة 40 مـن قانـون الأسرة نجد معها أن النسب يثبت بالزواج الصحيـح و بالإقــرار و البينـة، و بنكاح الشبهة، و بكل نكـاح تم فسخه بعد الدخول، و تضيـف المادة 41 أن النسب يكون للولد من أبيه متى كـان الـزواج شرعيـا و لـم ينفه بالطـرق الشرعية، فإن ثبوت النسب طبقا لأحكام قانـون الأســـرة الجزائري، و عدم نفيه من الأب هو أساس رابطة الدم التـي تجعـل الولـد
- 18 -
الـفـصـل الأول
يحمـل من أبيـه جنسيـته الجزائريــة و بصفـة أصليـة و عمومـا لا
يمكـن أن يثبـت في ظل القانون الجزائري نسب لطفل من أبيه بغير علاقة شرعية ناجمة عن زواج صحيـح أو نكاح ثبت معه نسـب الولـد بصفـة شرعية إذ أن النسب لدينا لا يثبـت مـن علاقة غير شرعية حتـى مــع الإقرار بهذا النسب من الأب فهو لا يفيد بهـذه الحال و لا يضفي الشرعيـة على نتاج تلك العلاقة بأي حال من الأحـوال.
و جدير بالإشارة هنا إلى أن توقيت ثبوت السب للابن من أبيه الجزائري لا يهم، فقد يكون بعد الولادة إلا أنه بمجرد حصوله يرتب أثره رجوعا إلـى تاريخ الميلاد، كما أن هذا الثبوت لا يمكنه بأي حال أن يمس بحقوق الغيـر حسن النية الذي تعامل مع الابن على أنه أجنبي.
و أخيرا و بتوافر شرطي هذه الحالة و هما تمتــع الأب بالجنسيــة الجزائرية و ثبوت نسب ابنه منه يكون للابن و فروعه من بعـده الجنسيـة الجزائرية بصفة أصلية ثابتة عن طريق رابطة الدم أي بالإنتساب لأبيهــم الجزائري، إلى أن يحصل عنها تخلي. دون ان يؤثر عليها اكتساب جنسيـة أجنبية و ثبوتها لهم لإختلاف إقليم الميلاد مثلا.
و كان فيما سبق الحديث عن الحالة الأولى التي خصصنا لها هذا الفرع و هي الحالة الأصلية الأساسية و القاعدة العامة التي يعتمـد فيهـا المشـرع الجزائـري على رابطة الدم أساسا لثبوت الجنسية الجزائرية و فيمـا يلـي اعتماد رابطة الدم عن طريق جهة الأم أو ما يعبر عنه بثبوت الجنسية عـن طريق رابطة الدم الأمومية، و هي حالات خاصة كانت لها ظروفها فلا تكون لكل من كانت أمه جزائريـة الجنسيـة، الجنسية الجزائريـة الأصليـة.
- 19 -
الـفـصـل الأول
الـفـرع الثانـي: ثبوت الجنسيـة الجزائريـة عن طريق رابطة
الإقليم:
لقد ذهبت معظم التشريعات العالمية و من بينها التشريع الجزائري إلى الأخذ برابطة الإقليم كأساس للجنسية الأصلية.
و يقصد برابطة أو حق الإقليم أن الدول تمنح جنسيتها الأصلية لكل مولود يولد على إقليمها دون الاعتداد باعتبارات أخرى مثلا الجذور العائلية له. و إذا كانت الدول حرة في اتخاذ الإقليم كأساس لمنح جنسيتها، فإن هناك قيدا على هذه الحرية من القانون الدولي الوضعي مفاده عدم تطبيـق حــق الإقليم كأساس للجنسية الأصليـة على أولاد الأشخاص الذين يتمتعــون
بالحصانـة الدبلوماسية (1). و لقد سبق أن ذكرنا أن الجزائر أخذت برابطة الإقليم كأساس لمنـح الجنسيـة الأصلية الجزائرية، و لكن هذا الأمر كان بصفة استثنائية إذ أن الأصل في قانون الجنسية الجزائري هو منح الجنسية الأصلية على أساس رابطة الدم. و نشير إلى أن المشرع الجزائري اعتبر المقصود من عبارة الجزائــر مجموع التراب الجزائري و المياه الإقليمية الجزائرية و السفن و الطائرات الجزائرية و هذا حسب المادة 5 من قانون الجنسية.
(1)- الدكتور بلقاسم أعراب القانون الدولي الخاص الجزء الثاني تنازع الإختصاص القضائي - الجنسية - 2003 ص 110 – دار هومة
- 20 –
الـفـصـل الأول
و لقد أورد الأمر 70-86 المتضمن قانون الجنسية الجزائري في مادتـه 07 الحالة الوحيدة التي أخذ فيها المشرع الجزائري برابطة الإقليـم لمنـح الجنسية الجزائرية الأصلية و التي تنص كما يلي: << يعتبر من الجنسيـة الجزائرية بالولادة في الجزائر. 1- الولد المولود في الجزائر من أبوين مجهولين. غير أن الولد المولود في الجزائر من أبوين مجهولين يعد كأنـه لـم يكـن جزائريا قط إذا أثبت خلال قصوره انتسابه إلى أجنبي و كان ينتمـي إلـى جنسية هذا الأجنبـي وفقا لقانون جنسية هذا الأخير.
إن الولد الحديث الولادة الذي عثر عليه في الجزائـر يعد مولودا فيها ما لـم يثبت خلاف ذلك.......... >>.
فطبقا لهذه المادة فإن الحالة التي أخذ فيها المشرع الجزائـري برابطـة الإقليم، هي حالة الولد المولود من أبوين مجهولين و ألحـق بها كذلك حالـة الولـد الحديث العهد بالولادة الذي يعثر عليه في الجزائر.
و بالتالي كل مولود ولد بالجزائر من أبوين مجهولين أو عثـر عليه و هـو حديـث عهد بالولادة، تمنح له الجنسية الجزائرية و ذلك تفاديا من وقوعه في حالة انعدام الجنسية.
و جاء المشرع في المادة 07 بشرطين أساسيين من أجل منح الجنسيـة الجزائرية الأصلية بناءا على حق الإقليم و هما:
- 21 –
الـفـصـل الأول
1- شـرط الـولادة بالجزائـر:
فلكي تثبت الجنسية الأصلية حسب هذه المادة يجب أن يكون الولد مولـودا بالجزائر أي بأحد المستشفيات الوطنية مثلا أو عثر عليه في الجزائر و هـو حديث العهـد بالولادة أمام أحد المساجد أو الملاجئ أو المستشفيات...ألـخ و يشترط النص أن يكـون الطفل حديث عهد بالولادة حتى تقوم القرينة علـى انه ولـد بالجزائـر، و هـذه المسألة مسألة واقع تخضع لتقدير القضاء فإذا ثبت أنه غير حديث عهد الولادة فيما يكون قد ولد بإقليم آخر أخذ جنسيته (1).
و لكن حسب رأي الأستاذ بلقاسم أعراب فإن هناك فرقا بين الولــد المجهول الأبوين و اللقيط، و هذا عكس ما ذهب إلي البعض بالقول أن اللقيط هو مجهول الأبوين مثل الدكتور علي علي سليمان. و يتجلى الفرق في كون أن مجهول الأبوين واقعة ميلاده ثابتة في الجزائر منذ البداية كأن تضع المرأة في المستشفى مولودا ثم تغادره قبل الكشف عن هويتها و هوية والد الطفـل، بينما في حالة اللقيط فواقعة الميلاد غير ثابتة فبالإمكان أن يكون مولودا فـي الخارج و أتي به إلى الجزائر (2).
(1)- الدكتور علي علي سليمان - القانون الدولي الخاص- طبعة 2000 ديوان المطبوعات الجامعية ص 245.
(2)- الدكتور بلقاسم أعراب نفس المرجع السابق ص 189.
- 22 -
الـفـصـل الأول
2- شرط كون الولد مجهول الأبوين:
و مفاد هذا الشرط أن يكون كلا الوالدين مجهولين غير معروفيـن و يعتبـر الولـد مجهـول الأبويـن حتـى و إن كانـت الأم معـروفـة الهويــة ( أي معروفة الاسم ) لكنها مجهولة الجنسية، فهو من جهة ليس بلقيط كون أمه غير مجهولة فهي معروفة للناس، و من جهة أخرى فهـو لـيس بولـد معروف الجنسية لأن أمه غير معروفة الجنسية.
و بعد معرفتنا لهذان الشرطان نصل إلى القول أنه و حسـب دائمـا المـادة 07 السالفة الذكر فإنه إذا ما ثبت نسب الولد إلى أجنبي ذكرا كان أم أنثى و قانون جنسيتهما يسمح بإلحاق جنسيتهما به تسقط الجنسية الجزائرية
عنه، و لكن بشرط أن يثبت نسبه خلال قصره و بالضبط قبـل بلـوغ سـن
الواحد و العشرين.
و قد اختلف الفقه في مسألة نسبه فهل يجب أن يثبت نسبه طبقا لقانون جنسية من يثبت نسبه منه أو طبقا لقانون البلد الذي وجد به. و يرى أغلبيـة الفقه أن ثبـوت النسب يجب أن يتم طبقا لقانون جنسية من يريد إثبات نسبه منه من الأبوين، بينما كان القضاء الفرنسي يرى و تسايره الهيئات الرسمية في فرنسا أن ثبوت النسـب يجب أن يتم طبقا للقانون الذي وجد اللقيط بإقليم دولته، و كانوا يستدلون على ذلك بأن النص الفرنسي لسنة 1945 ينص: << إذا كان قانون جنسيـة هـذا الأجنبـي يعطيه جنسيته >>، مما يفهم منه بمفهوم المخالفة أن الرجوع إلى قانون جنسيـة الأجنبـي إنما يكـون فقـط
- 23 -
الـفـصـل الأول
لمعرفة ما إذا كان يعطيه جنسيتـه و ليس لثبوت النسب (1).
و تجدر الإشارة في آخر المقام انه في حالة حصول الولد مجهــول الأبوين على جنسيته سواء من جهة الأم أو من جهة الأب، فإن ذلك يتم بأثر رجعي طبقا للمادة 07 من قانون الجنسية التي تنص <<...........يعد كأن لم يكن جزائريا قط >>.
(1)- الدكتور علي علي سليمان نفس المرجع السابق ص 246.
- 24 -
الـفـصـل الأول
الـفـرع الثالـث : ثبوت الجنسية الجزائرية عن طريق الجمع بين رابطة الدم و الإقليم:
لقد سبق و إن رأينا الحالات التي أخذ فيها المشرع الجزائري رابطة الدم كأساس لثبوت الجنسية الجزائرية الأصلية، و الحالات التي اخذ فيهـا برابطـة الإقليـم. أمـا في هذا المقام سنرى الحالة التي جمع فيهـا المشـرع بين رابطـة الإقليـم و رابطة الدم، و هي حالة وحيدة جاءت في المادة 07/2 من قانون الجنسية التي تنص: <<الولد المولود في الجزائر من أم جزائرية و من أب أجنبي هو نفسه مولـود فـي الجزائر إلا إذا رفض الجنسية الجزائرية في أجل مدته عـام قبل بلوغـه سـن الرشد>>. فما نلاحظه من خلال هذه المادة أن المشرع أخذ برابطـة الـدم مـن جهـة الأم باشتراطه أن تكون الأم جزائرية، و برابطة الإقليم من جهة الولد و والده باشتراطه أن يكون الولد مولودا بالجزائر، كذلك الأمر بالنسبة للأب. و تجد هذه المادة تبريرها في أن الطفل المولود في الجزائر من أب نفسه مولود في الجزائر، و أم جزائرية، يعد مندمجا اندماجا كاملا في الشعب الجزائري، و ولاؤه للبلد الأجنبي يكون قد تلاشى نهائيا و استبدل بولائه للجزائر(1). و تجدر الإشارة إلى أن هذه الحالة أي الجمع بين حق الإقليم و حق الدم يطلق عليه الفقه تسمية حالة الميلاد المضاعف و ترجع هذه التسمية إلى اشتراط المشرع ميلاد كل من الطفل و أبيه في الجزائر.
(1)- الدكتور بلقاسم أعراب نفس المرجع السابق ص 190.
- 25 -
الـفـصـل الأول
و دائما و في إطار المادة 07/2 من قانون الجنسية الجزائري اشتـراط المشـرع الشروط الآتي بيانها من أجل منح ثبوت الجنسية الجزائريـة الأصلية و هي:
1- أن تكون ولادة الطفل قد تمت في القطر الجزائري. 2- أن تكون ولادة أب الطفل قد تمت كذلك في الإقليم الجزائري. 3- أن تكون أم الطفل جزائرية الجنسية و لا يهـم إن كانـت جنسيتـها أصليـة أم مكتسبة. و بالتالي متى اجتمعت هذه الشروط الثلاثة ثبتت الجنسية الجزائرية الأصلية للطفل بأثر رجعي أي ابتداء من تاريخ ازدياده. إلا أن المشرع الجزائري و بموجب المادة 7/2 دائمـا وضـع إمكانية رفـض الجنسية الجزائرية للولد الذي سبق الحديث عنه، و قيد هذا الرفض بشرط إعلانه في أجل عام قبل بلوغه سن الرشد. و على صعيد آخر نجد المادة 8/2 من قانون الجنسية تنص: << إن إعطاء صفة مواطن جزائـري منذ الـولادة و كذلك سحـب هـذه الصفـة أو التخلي عنهـا بموجب أحكام الفقرة 3 من المادة 6 و الفقرتيـن 1 و 2 من المادة 7 لا يمس بصحة العقود المبرمة من قبل المعني بالأمـر و لا بصحة الحقوق المكتسبة من قبل الغير استنادا إلى الجنسية الظاهرة المكتسبة سابقا من قبل الولد >>. و بالتالي حسب هذه المادة فإن تخلي الولد عن الجنسية الجزائرية في الأجل المحدد له بعام قبل بلوغه سن الرشد لا يمكن في أي حال من الأحوال
- 26 -
الـفـصـل الأول
أن تمـس بصحة العقود المبرمة من طرفه و لا بصحة الحقوق التي اكتسبها و كـل هـذا استنادا إلى الجنسية الجزائرية الظاهرة بحيث أن الولد كان يظهر للغيـر بمظهـر الجزائري و على هذا الأساس قبلوا التعامل معه.
- 27 -
الـفـصـل الأول
المطلـب الثانـي:ثبـوت الجنسيـة الجزائريـة بصفـة لاحقـة (الجنسية المكتسبة ):
على خلاف الجنسية الجزائرية الأصلية التي رأينا أنها تثبت للشخص فور ميلاده فإن الجنسية الجزائريـة المكتسبـة (ثبوتها بصفة لاحقة ) لا تثبت للشخص فور ميلاده و إنما تنجم عن عمل قانوني إيجابي، و لا تنتج آثارهـا إلا اعتبارا من هذا العمل و بالتالي لا يكون لثبوتها أثر رجعي(1).
و قد اقتصـر القانـون الجزائـري على ثلاث إمكانيات لاكتساب الجنسيـة الجزائرية و هي :
- اكتساب الجنسية بفضل القانون.
- اكتساب الجنسية عن طريق التجنس.
- اكتساب الجنسية بالاسترداد.
و قد نص المشرع الجزائري على هذه الحالات الثلاث في المواد مـن 09 إلى 14 من قانون الجنسية، و كان فيما سبق أي في قانون 1963 ينـص على نفس الحالات كسبب لاكتساب الجنسية و كان يدرج تحت الحالة الأولى أي اكتساب الجنسية بفضل القانون ثلاثة أسباب و هي:
1) اكتساب الجنسية الجزائرية بسبب المساهمة في حركة التحرير.
2) اكتسابها عن طريق الخيار حسب ما هو منصوص عليه فـي اتفاقيـات << إيفيان>> و تخص الأشخاص الذين ولدوا بالجزائر و أقاموا بها بصفـة منتظمة لمدة 20 سنة أو 10 سنين مع توافر شروط أخرى.
- 28 –
-
الـفـصـل الأول
3) اكتسابها بالميلاد و الإقامة و كان يدخل ضمن هذه الحالة حالتان: حـالة مـن يولد بالجزائر من أم جزائرية و أب أجنبي غير مولود بالجزائر و قـد
ذكر المشرع هذه الحالة في القانون الجديد (70/86) أما الحالة الثانية و التي أغفلها المشرع في القانون الجديد و هي حالة الأجنبية التي تتزوج جزائريـا، حيث كانـت الأجنبيـة تكتسب الجنسية الجزائرية بزواجها من جزائري في القانـون القديـم، إلا أن المشرع الجزائري جانب الصواب بعدم نصه على هذه الحالة غير أنه تدارك هذا الخطأ من خلال مشروع تعديل قانون الجنسية الذي عرض على مجلـس الوزراء بتاريخ 25 أوت 2004 لمناقشته أين لم يعرض لحد الآن على البرلمان للمصادقة عليه.
و بذلك تتضح نية المشرع لتدارك ذلك الفراغ حيث أن حالة اكتسـاب الـزوج الأجنبـي لجنسيـة زوجـه وهو مبدأ متفق عليه في سائر قوانين الجنسيـة الخاصـة بدول العالـم، لما فيـه مـن إيجابيـات و ذلك لمـا يضمنه من وحدة الجنسية في الأسرة، و فيما يلي سنتناول طـرق ثبـوت الجنسيـة بصفـة لاحقة حالة بحالة في ثلاث فروع.
- الفرع الأول: اكتساب الجنسية الجزائرية بفضل القانون:
نصت المادة 9 من قانون الجنسية على هذه الحالة ألا و هي اكتساب الجنسية بفضل القانون إلا أن هناك من يعيب على المشرع الجزائري اختياره لهـذه التسمية لأن اكتساب الجنسية ضمن هذه الحالة لا يعتبر حقا خالصـا يكتسبـه الطفل بقوة القانون وإنما يعتبر منحة من الدولة يتوقف الحصول عليها على عدم معارضة وزير العدل على منحها لطالبها كما سنراه لاحقا و
- 29 -
الـفـصـل الأول
بالتالـي فتسمية اكتساب الجنسية بفضل القانون غيـر صائبـة و تنقصـها الدقـة(1).
و هناك من يرى بأن اكتساب الجنسية وفقا لهذه الحالة لا يمثل إلا نوعا مـن أنواع التجنس لأن هذا الأخير يستلزم شرطان جوهريان يميزانه عـن غيـره من طرق الاكتساب و هما شرطا الإعلان عن الرغبة فـي اكتسـاب الجنسيـة (الطلب)، و شرط موافقة السلطة المختصـة و هـذان الشرطـان نفسهما نجدهما ضمن شروط اكتساب الجنسية الجزائرية بفضل القانــون و لولا هــذان الشرطان لصار هذا الاكتساب بقوة القانون(2).
و تتلخص شروط اكتساب الجنسية الجزائرية بقوة القانون فيما يلي:
1) أن يولـد الولـد بالجزائـر:
و يفهم من عبارة << الجزائر >> مجموع التراب الجزائري، و الميــاه الإقليمية الجزائرية و السفن و الطائرات الجزائرية ( المادة 5 من قانـون الجنسية ).
2) أن تكون أم الطفل جزائرية:
إن الوقت الذي يعتد به في تمتع الأم بالجنسية الجزائرية هـو وقـت ولادة طفلها، أما تمتعها بها قبل ولادته، فلا يعتبر به إذا كانت قد فقدت التمتع
(1)- الدكتور بلقاسم أعراب نفس المرجع السابق ص 194.
(2)- الدكتور بلقاسم أعراب نفس المرجع السابق ص195.
- 30 -
الـفـصـل الأول
بها عند الولادة، كما أنه لا يعتد بتمتعها بها بعد ولادته، أمـا عـن نوعيـة الجنسية التي تتمتع بها، فيعتد بها سواء أكانت أصلية أو مكتسبـة، ذلك مـا نستشفه من النص الذي جاء في صياغته مطلقا.
3) أن يكـون أبـوه أجنبيـا:
وفقا لهذا الشرط فإن أب الطفل يجب أن يكون حامـلا لجنسيـة دولـة أجنبية، فإذا كان حاملا للجنسية الجزائرية أو إذا كان عديم الجنسية فإن ابنـه يتمتع بالجنسية الأصلية حسب المادة 6 ق ج.
4) أن يكون أبوه الأجنبي مولودا خارج الجزائر:
يشترط في أب الطفل المولود في الجزائر من أم جزائرية أن يكـون مولودا خارج الجزائر، لأنه إذا كان مولودا في الجزائر فإن الجنسيـة التـي يتمتع بها طفله هي الجنسية الجزائرية الأصلية المنصوص عليها في المـادة 7/2 من قانون الجنسية.
5) أن يعلن الولد عن رغبته في اكتساب الجنسية الجزائرية خلال 12 شهرا السابق لبلوغه سن الرشد:
يفيد هذا الشرط أن الطفل لا يستطيع بعد بلوغه سن الرشد - الذي هو سن 21 سنة في مجال الجنسية وفقا للمادة 4 ق ج - الإعلان عن رغبته في اكتسابها.
- 31 -
الـفـصـل الأول
6) أن تكون للطفـل إقامة معتادة و منتظمـة في الجزائـر عنـد إعــلان رغبته في اكتساب الجنسية الجزائريـة:
أراد المشرع الجزائري بهذا الشرط أن يعزز ولادة الشخـص مـن أم جزائرية و على الإقليم الجزائري بعنصر مادي هو الإقامة في الجزائر إقامة معتـادة و منتظمة لما لهذه الإقامة من أهمية في تأكيـد صلتـه بالمجتمـع الجزائـري ورغبته في الاندماج فيه.
و نلاحظ أن المشرع الجزائـري لم يحدد مدة معينة للإقامة، و إنمــا اكتفـى بالقول بأن تكون إقامة معتادة و منتظمة، مما يفيد أن المسألة متروكة لتقدير السلطة و نشير إلى أن الإقامة العادية و المنتظمة للشخـص لا يؤثـر فيها الغياب المؤقت أو العارض، كخروجه من الإقليم إلى بلد أجنبي لتفقــد أعماله، أو لمواصلة دراسته، شريطة عدم الولاء لذلك البلد الأجنبي، كمـا أن المشرع لا يستلزم وجوب توافر نية الإقامة بالتـراب الوطنـي مـن أجـل الحصول على الجنسية الجزائرية.
7) عـدم معارضـة وزيـر العـدل:
يجب أن لا يعـارض وزيـر العـدل في حصول هـذا الولـد علـى الجنسيـة الجزائريـة طبقا لنص المادة 26 و تقضي هذه المادة بأن لوزيـر العـدل أن يقرر عدم قبول إعلان الرغبة سواء كانـت هـذه الشـروط قـد
- 32 -
الـفـصـل الأول
توافرت كلها لطلب الجنسية أو لم تتوافر، و يجب أن تتم معارضـة وزيـر
العدل في خلال 12 شهرا من إبداء الرغبة و اكتمال ملف الطلب، و يعتبـر سكوت وزيـر العدل عن المعارضة خلال هذه المدة موافقة ضمنية.