إن القرآن لفت أنظارنا لقضية الجوع والتي تمثلها عبادة الصيام لما لها من أهمية بالغة في حياة الإنسان والإنسانية عموما ، فقد ذكر الجوع بالتصريح خمس مرات في القرآن الكريم تدل في منطوقها على أهمية هذا الموضوع وعظم أثره على الحياة .
ومن دلالات ذلك أنه ذكر في بداية الخلق عندما أمر الله تعالى آدم وزوجه بأن يسكنا الجنّة فكانت المنّة عليهم في هذا الأمر أن لا يصيبهم الجوع فيها لأنه موطن الآمان أو موطن الخوف ، فقال تعالى : ( إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى ) طه 118، ثم ذكره مرة أخرى في معرض الامتنان على سكان الحرم المبارك فقال تعالى : ( الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ) قريش4 .
وذكر مرتين غير هذا ، مرة على سبيل التنبيه والابتلاء ومرة على سبيل العقوبة فقال تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) البقرة155، وقال تعالى : (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ) النحل112، والمرة الخامسة ذكرت في سياق الحديث عن طعام أهل النار الذي قال الله عنه : (لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ ) الغاشية 7 .
فالجوع سلاح فتاك يهدد البشرية جمعاء وهو من ألد أعدائها وعلى هذا كانت فلسفة الإسلام قائمة على التربية في هذا الميدان بأن يُطعم ويُلقح الإنسان من نفس الداء حتى يمتلك الحصانة الداخلية والوقاية الخارجية للحماية من هذا العدو الفتاك الذي يورث الذل والعبودية لغير الله تعالى ، وهذا ما يفعل في التلقيح ضد الأمراض المختلفة بأن يحقن الجسم من نفس المرض بكمية لا تضر فيتعرف عليها الجسم ويقوم بالدفاع فيتهيأ عندما يدخل المرض الحقيقي .
وكذلك كانت فلسفة الإسلام في التربية بالجوع بأن فرض الله تعالى على الناس الصيام ليتحصنوا من العدو المحتمل وهذا بعد نزول الأبوين من الجنّة التي ليس فيها هذا العدو المهدد للوجود البشري فندرك بهذا سر الخطاب الرباني في طيات الحديث عن فريضة الصيام في قوله تعالى : (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) البقرة 183 .
ولم يرد هذا الخطاب في غير هذه الفريضة لأنه من القضايا التي تهم البشرية جمعاء ويجب أن يتربوا عليه ، فلذا فرضه الله عليهم جميعا وفي كل الرسالات ، وقرنه بأمرين مهمين أولهما الخوف والثاني اللباس مما يوحي بأهمية التربية بالجوع .