بحث حول دور الجمارك في التاثير على العلاقات التجارية بين الجزائر واروبا
دور الجمارك في التأثير على العلاقات التجارية بين الجزائر وأوروبا
لا يمكننا الحديث عن التجارة الخارجية بمعزل عن الجمارك، وهذا راجع لارتباطها الشديد بهذا الجهاز وبالأنظمة الجمركية التي تسمح بمراقبة التجارة الخارجية، كما تسمح تنظيم مختلف عمليات دخول وخروج السلع من وإلى الحدود الوطنية، وبالنظر إلى ما تعيشه الجزائر اليوم من تحولات وتغيرات اقتصادية واجتماعية عميقة من أجل الانتقال من الاقتصاد الموجه الذي يشترط بالدرجة الأولى حماية الاقتصاد الوطني من خلال وضع حواجز جمركية وغير جمركية تعيق التجارة الخارجية، مما يستدعي تحول النسق الاقتصادي بأكمله وضرورة إيجاد الصيغة الجديدة لتكيف المؤسسات المكونة للاقتصاد الوطني (الميكانيزمات العملية الجديدة) وباعتبار الجمارك إحدى المؤسسات التي يعنيها هذا التحول، فإنها من الضروري أن تكيف سياستها الجمركية التي كانت تستخدم بشكل خاص من أجل حماية الاقتصاد الوطني، وتحقيق إيرادات لصالح خزينة الدولة، مع متطلبات هذا النظام الجديد عن طريق إيجاد ميكانيزمات جديدة كفيلة بالتحكم في تحرير التجارة الخارجية وإنشاء علاقات مع المحيط الدولي وخاصة المنظمات الدولية المتخصصة في الميدان الجمركي.
ومن هذا المنطلق سنحاول التطرق إلى أهم التحولات التي عرفتها هذه المؤسسة بعد التعرف عليها، وعلى مختلف أدوارها من خلال:
المبحث الأول: ماهية الجمارك
المبحث الثاني: دور الجمارك في ظل الإقتصاد المخطط.
المبحث الأول: ماهية الجمارك
عني الجمارك• للكثيرين بأنها الضرائب الجمركية التي تفرض على السلع لدى دخولها الحدود الجمركية للدولة وقد يطلقونها على الضريبة وجباتها، إلا أن الجمارك أكبر من كونها ضريبة، بل هي قواعد ونظم واتفاقات يتم تنفيذها وفق معايير دولية ووطنية عن طريق مؤسسات تنشئها الدول يطلق عليها إسم الإدارات الجمركية، تتبع القطاعات المالية.
تعرف بالجمارك بأنها الإدارة التي أوكل إليها مراقبة تطبيق الأنظمة الجمركية بشأن تحصيل الضرائب الجمركية المستحقة للخزينة العمومية واستيفاء الشروط والقيود الاستيرادية المقرر عليها، حماية للنظم الاقتصادية لكل دولة، وإن أي خرق لهذه التشريعات أو الإخلال بها يمثل إخلال بالنظام الاقتصادي الذي تحميه التشريعات الاقتصادية والذي تعد القوانين الجمركية من أبرزها وأهمها، ولضمان فاعلية القوانين الجمركية وسرعتها وانضباط تنفيذ أحكامها أصبغ المشرع صفة مأمور الضبط القضائي على القائمين بالتنفيذ وفي حدود الاختصاص.
و ليست الجمارك من مبتكرات هذه العصور القريبة، بل هي ترتبط نشأتها بنشأة التجمعات البشرية المنظمة، سواء في شكل دول كما تراها اليوم، أو في شكل من التجمعات القديمة، وقد عرفتها التجمعات السابقة، ولجأت إليها في مختلف العصور وإن اختلفت غايتها على ما نراه اليوم، فعرفت الضرائب قديما عند المصريين وكانت تفرض على البضائع المستوردة بقصد حماية المصنوعات الوطنية.
عرفت كذلك الجمارك عند الرومان وقد استخدموها لمكافحة تسلل العبيد دون تسديد الضرائب المفروضة، وكانت تفرض الضرائب على البضائع سواء القادمة من خارج بلادهم أو التي يتم نقلها من مدينة إلى أخرى، وإن كانت غير ثابتة، حيث يمكن زيادتها حال الحاجة لسد خدمات الدفاع عن الوطن، أو القيام بمشاريع عامة.
وعرفت الدولة الإسلامية نظام العشور في عهد الخليفة عمر بن الخطاب بناء على طلب عامله في العراق أبو موسى الأشعري، وتؤخذ من التجار الأجانب الذين يقومون بالتجارة في دار الإسلام وغيرها من دور الحرب، كما أنها كانت محدودة بمرة واحدة في السنة على كل تاجر، وهكذا انتشر نظام العشور في الدولة الإسلامية، وهي نوع من الضرائب كما نراها اليوم، وعرف العثمانيون، الضرائب أو الرسوم الجمركية بالرسوم الأميرية وتجبى عن البضائع المستوردة، وكانت رسوم محددة بصورة عامة بمعدل 8% حتى عام 1906 حيث ارتفعت إلى 11% .
كانت الغاية من هذه الضرائب، سد أعباء العامة الناتجة عن حفظ الأمن في داخل الإمبراطورية، حيث كانت فئات الضريبة الجمركية تحدد في الاتفاقات التي تعقد مع الدول الأخرى، وقبل انهيار الدولة العثمانية، كان هناك نوع من المعاملة الخاصة للدول الأجنبية، حيث تمنح امتيازات للأجانب والسلع المتبادلة معهم، وفقا للاتفاقيات المعقودة مع الدولة العثمانية سواء على مستوى الدولة العثمانية، حيث عقدت انجلترا اتفاقية تجارية وسلام مع الدولة العثمانية سنة 1579 وحصلت بموجبها على امتيازات تجارية وجمركية.
لا يجوز تعديل تلك الامتيازات الممنوحة إلا باتفاق الطرفين، وقد صدرت عدة قوانين جمركية من السلطات العثمانية. وقد بقيت هذه التشريعات والضرائب الجمركية، حتى انهيار الدولة العثمانية، ومع احتلال البلاد العربية من قبل المستعمر الأوروبي، جاء بضرائبه وفق تشريعاته، حيث اعتبرت البلدان المستعمرة جزء من كيانه الاجتماعي، يسري عليها ما يسري على بلدانهم من ضرائب، والمعروفة بالتشريعات الجمركية.
بعد استقلال الدول العربية، كانت معظم قوانينها التجارية والجمركية مقتبسة من تشريعات المستعمر، مع اختلاف السياسات التجارية في الاستيراد والتصدير، دول رأسمالية، دول اشتراكية وغيرها.
تعد الضرائب الجمركية وسيلة من وسائل تحصيل الموارد المادية للخزينة العمومية، وأداة حمائية من منافسة السلع الأجنبية، غير أنه الهدف يختلف اليوم من دولة لأخرى، ففي الدول المتقدمة لا تشكل حصيلة الجمارك سوى نسبة بسيطة من الإيرادات الضريبية، وهذا يعني محدودية الدور الجبائي فيها، بينما نجدها ذات نسبة عالية في الدول النامية، حيث الأهمية البالغة للدور الجبائي فيها.
لقد كانت القيود الجمركية، موضوع صراع بين الدول من مؤيدين لحرية التجارة وآخرين مقيدين لها ، نشأت عنها صراعات حادة أدت إلى ظهور التكتلات الإقليمية، ثم إلى تقارب وتعاون أدى إلى ظهور تكتلات دولية لحرية التجارة والمشكلة في المنظمة العالمية للتجارة، وأخرى لتبسيط إجراءاتها وحل رموزها كالمنظمة العالمية للجمارك.
فإدارة الجمارك تعتبر إدارة مسؤولة عن مراقبة السلع والخدمات ورؤوس الأموال المارة عبر الحدود، وعن قبض الضرائب والرسوم المفروضة عليها حسب تعريفة معينة .
تطورت مهمات إدارة الجمارك بتطور أساليب التبادل وأصبحت في وقتنا الحالي إحدى الإدارات الأساسية بالنسبة للسياسة التجارية للدولة، وذلك لطبيعة مهمتها التي تتمثل في المحافظة على نظام التبادل مع الخارج وفي الحصول على الضرائب والرسوم المقررة على الواردات، فهي تساهم أساسا في ضبط الميزان التجاري لأنها الجهة الأولى التي تستطيع بشكل سريع وقريب من الصحة إحصاء المبادلات التجارية وأنواع السلع الصادرة والواردة .
فالتطرق إلى تحديد ماهية الجمارك يتمثل في تبيان أهم التطورات التي طرأت على هذه الأخيرة، من أجل مواكبة المراحل التي مر بها الاقتصاد الجزائري، من مرحلة التخطيط المركزي إلى مرحلة اقتصاد السوق.
المطلب الأول: نشأة وتطور إدارة الجمارك الجزائرية
يختلف مفهوم إدارة الجمارك باختلاف مهامها، وحسب التغيرات التي حدثت في هيكلتها وقوانينها التشريعية، نتيجة التطورات الاقتصادية التي عرفتها البلاد، حيث نجدها تعمل جاهدة على مواكبة التغيرات الطارئة على الاقتصاد الوطني، وبصفتها هيئة تنفيذية، وباعتبارها وسيلة فعالة في تطبيق السياسة الاقتصادية المتبناة من قبل الدولة، وكذا السياسة الاقتصادية اتجاه التجارة الخارجية، فلهذا نجد المشرع الجزائري أولاها اهتماما في تحديد مجال تنظيمها وعملها مسايرا لكل التطورات الجديدة للاقتصاد العالمي والوطني. وفي هذا الإطار سوف نتعرض إلى أهم المراحل التاريخية التي شهدتها إدارة الجمارك.
الفرع الأول: المسار التاريخي لتطور إدارة الجمارك.
كانت الجزائر ذات أهمية كبيرة بالنسبة للسوق الفرنسية، سواء فيما يخص الصادرات أو الواردات، لذا عملت فرنسا على توجيه التجارة الخارجية نحوها، فكان تطور التجارة الخارجية مرتبطا بتطور النظام الجمركي ، لأن السياسة الجمركية من بين أهم العوامل التي تتحكم بها الدولة في توجيه التجارة الخارجية وتسخيرها لخدمتها.
قامت فرنسا بعد مدة وجيزة من بداية الاحتلال وبالضبط في 11 نوفمبر 1835 بإصدار تشريع قانوني يعتبر أول تنظيم رسمي للجمارك في الجزائر ، وقد كان هذا بداية تطبيق القوانين الفرنسية في مجال الجمارك على علاقات الجزائر بالخارج.
و باعتبار الجزائر مستعمرة فرنسية، أعفيت السلع ذات الأصل الفرنسي من الضرائب عند دخولها الجزائر، أما السلع الأجنبية الأخرى فأخضعت للضرائب المعمول بها في فرنسا، فقي حين أعفى هذا الأمر الصادرات الموجهة لفرنسا من ضرائب الخروج، بينما طبقت على الصادرات الموجهة لغير فرنسا التعريفة العامة المعمول بها في فرنسا .
أما القانون الصادر في 17 جويلية 1867 فقد طبق الاتحاد الجمركي بين الجزائر وفرنسا، وبمقتضاه أصبحت السلع المنتجة بالجزائر وكأنها سلعا فرنسية، وبالطبع فلقد كان هذا الاتحاد يخدم مصالح فرنسا أكثر مما يخدم مصالح مستعمرتها.
بعد هذا القانون، توالت القوانين والمراسيم التي كانت تهدف إلى تركيز سيطرة فرنسا على السلع الصادرة من الجزائر والواردة إليها. حيث عملت السلطات الفرنسية على ربط المصالح الجمركية بالجزائر بالمصالح الجمركية الفرنسية، كما عملت على إخضاعها إلى نفس القوانين والنظم الصادرة في فرنسا.
كان تنظيم إدارة الجمارك أثناء فترة الاستعمار يتكون من مديريتين عامتين ، حيث يعين المديران العامين للجمارك بقرار من رئيس الجمهورية، وتتمثل هاتين الأخيرتين في:
• مديرية عامة للجمارك بفرنسا.
• مديرية عامة للجمارك بالجزائر.
كانت المديرية العامة للجمارك بالجزائر، تعمل تحت وصاية ورقابة المديرية العامة للجمارك بفرنسا، والغرض من ذلك هو الإبقاء على سيطرة السلطة الفرنسية على الإدارة الجزائرية.
كانت للمديرية العامة للجمارك بالجزائر، مديريات جهوية تسيّر من طرف مدراء جهويين معينين من قبل المدير العام، كما كان لها مكاتب جمارك تابعة للمديريات الجهوية ، والتي تتمثل في:
• المديرية الجهوية للجزائر الوسطى: تشمل عمالات الوسط.
• المديرية الجهوية لوهران: تشمل عمالات الغرب.
• المديرية الجهوية لقسنطينة: تشمل عمالات الشرق.
• أما الصحراء، فكانت عبارة عن منطقة عسكرية.
كانت إدارة الجمارك في هذه الفترة تتشكل من فئة عملية وفئة إدارية. فالفئة العملية هي التي تقوم بالإجراءات الجمركية ويتم تكوينهم بمدرسة الجمارك بشرشال.
أما الفئة الإدارية، تتمثل في العاملين في الإدارات المركزية أو الجهوية وتتمثل في أعوان إداريين، أعوان تحقيق، مراقبين ومفتشين، حيث يتم تكوين فئتي المفتشين والمراقبين في المدرسة الفرنسية بنويي.
غداة الاستقلال، لم تكن الجمارك سوى مصلحة من المصالح التابعة للهيئة التنفيذية المؤقتة للحكومة الجزائرية، مكلفة بمراقبة التجارة الخارجية، إلى غاية صدور المرسوم الرئاسي في افريل 1963، والمتعلق بتنظيم وزارة المالية، التي تضمنت مديرية ضمت مصلحة التحويلات الخارجية والجمارك، ولعل جمع هاتين المصلحتين كان راجعا لأوجه التشابه المتواجد في مهامهما.
في 15 ماي 1963، صدر قرار وزاري حدد مهام المديرية المختلطة، وانبثقت عنها مديريتان فرعيتان منفصلتان وهما:
• المديرية الفرعية للجمارك.
• المديرية الفرعية للتحويلات الخارجية.
بدأت منذ ذلك التاريخ، تتضح الرؤية أمام جهاز الجمارك، بعد أن حددت مهامه كمديرية فرعية مقتصرة على التشريع والمنازعات الجمركية، والموظفين مع تنظيم المصالح.
بدأ التفكير الأولي في إعطاءه الأهمية اللازمة، نظرا لأهميته، ودوره في حماية الدولة الحديثة النشأة، لذلك تحتم أن تولى بالعناية، كقطاع عليه أن يحتل المراكز الأولية في الخط، وهو ما تجسد فعليا في مرحلة ثانية سنة 1964، مع صدور المرسوم رقم 279-64 الصادر بتاريخ 04/09/1964، أنشئت المديرية الوطنية للجمارك الجزائرية، وبالتالي تم تحويل الجمارك من مديرية فرعية إلى مديرية وطنية، مع بقاءها محدودية الاستقلالية في التسيير والاعتمادات، تشرف على 34 مصلحة خارجية متواجدة على مستوى الولايات (تابعة للوالي فيما يخص تسيير الاعتمادات والأجور وغيرها).
رغم النقص المتواجد في هذه الترقية الجمركية، توسعت مهام الجمارك، وتعددت مجالات تدخلها من أجل حماية الاقتصاد ودعمه، من خلال قيامها بدور المراقبة وتحصيل الجباية الجمركي، وقيامها كذلك بدور الشرطة الاقتصادية والصحية والبحرية.
تضاعف دور الجمارك، والإحساس بأهميته، مما أدى إلى صدور المرسوم رقم 254-71 المؤرخ في 1971.10.18، الذي دعم دورها وعزز مسارها بعد أن أعيد تنظيمها إلى أربعة مديريات فرعية، وهي:
• تتكفل الأولى بالجباية والمنازعات.
• الثانية تتكفل بالأنظمة الاقتصادية ومراقبة التجارة الخارجية والصرف.
• تختص الثالثة بالتشريع والإحصائيات.
• أما الأخيرة، فهي تهتم بتنظيم المصالح.
إن عملية تحسين هياكل الجمارك، رافقه صدور قانون الجمارك سنة 1979، الذي أصبح يمثل الركيزة والوثيقة التشريعية المرجعية، التي من خلالها تمارس الجمارك مختلف مهامها وأيضا لتشجيع الجمارك على تعزيز دورها أكثر ومسايرة التطور العام للدولة، وبالتالي تسهل عليه تحقيق الأهداف المسطرة له.
أعطت وزارة المالية لهذا القطاع الأهمية القصوى والبعد الأعمق ومجالات تحرك أوسع، ولقد حظي بهيكلة جديدة الصادرة في المرسوم الرئاسي رقم 82-238 المؤرخ في 17جوان1982، والذي من خلاله، تم ترقية القطاع الجمركي من مديرية وطنية إلى مديرية عامة، تتميز بالاستقلالية الإدارية بمعنى أصبح يتمتع بسلطات التسيير في مجال الاعتمادات المالية والموظفين، حيث يمثل هذا التاريخ للجمارك الانطلاقة الفعلية والحقيقية نحو إنجاز المهام الموكلة لها وفقا لقانون الجمارك، والتوجهات السياسية العامة للدولة، وتبعا لنمو أنشطة الاقتصاد الوطني.
يقضي هذا المرسوم رقم 82-238 ، بأنه يتولى المديرية العامة للجمارك مدير عام ويساعده في ذلك مدير عام مساعد، وأن المديرية العامة للجمارك تتكون من خمسة مديريات مركزية زيادة على أقسام المراقبة الولائية (نيابة مديرية بالولاية).
تتمثل المديريات الخمس المركزية فيما يلي:
• مديرية الأنظمة الجمركية والجباية.
• مديرية التنظيم والمنازعات الجمركية.
• مديرية الدراسات والتخطيط.
• مديرية الموظفين والتكوين.
• مديرية تسيير الاعتمادات والوسائل.
إن هذه العناية الكبيرة التي توالت عبر مختلف المراحل التي قطعها هذا القطاع، قد وجدت صداها وترجمتها في الميدان، بفعل السهر الدائم، واليقظة المستمرة والوعي المتنامي لأعوان الجمارك، من خلال تواجدهم عبر مختلف مواقع نشاطهم.
و من هذا يتضح أن إدارة الجمارك، أصبحت إدارة عامة، تتمتع بسلطات التسيير والاعتمادات المالية والموظفين، وفقا لأحكام المرسوم 82-238 الصادر في 1982، ومنذ صدور هذا الأخير، برمجت عدة أهداف لهذا القطاع، إلاّ أنه سوف لن يتم تحقيقها، نظرا لنقص الاعتمادات من جهة وتأخير تطبيق اللوائح المتعلقة بهذه السياسة من جهة أخرى.
عرفت الجزائر، أزمة اقتصادية ومالية حادة، تزامنت مع انهيار المعسكر الاشتراكي، مما جعلها تفكر في الانتقال إلى نظام اقتصادي جديد، المتمثل في اقتصاد السوق، الذي يرتكز على حرية المبادلات الخارجية وعدم تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية، ورفع جميع الحواجز أمام حركة السلع، الخدمات ورؤوس الأموال وحتى الأشخاص، إضافة إلى تشجيع وترقية القطاع الخاص الذي طال غيابه عن الساحة الاقتصادية.
و من هذا المنطلق، شهد قطاع الجمارك هيكلة تنظيمية جديدة، التي من خلالها يحاول مسايرة المعطيات الدولية والمحلية الجديدة، فجاء المرسوم التنفيذي رقم 90-324 بتاريخ 20 أكتوبر 1990، والمتضمن تنظيم المصالح المركزية للمديرية العامة للجمارك، والذي من خلاله قسمت الإدارة المركزية إلى أربعة مديريات مركزية وهي:
• مديرية الأنظمة الجمركية الاقتصادية.
• مديرية المنازعات ومكافحة التهريب.
• مديرية التشريع والإحصائيات والإعلام الآلي.
• مديرية الموظفين والوسائل.
تم تزويد المدير العام، إضافة إلى ذلك ، بمدراء دراسات ورؤساء المراكز الوطنية وتم تنظيم المصالح الخارجية لإدارة الجمارك، بمقتضى المرسوم التنفيذي رقم 91-76 المؤرخ في 16 مارس 1991، إلى 10 مديريات جهوية و36 مفتشية أقسام.
عرفت الإدارة العامة للجمارك، تنظيم جديد سنة 1993 وذلك بمقتضى المرسوم التنفيذي رقم 93-329 المؤرخ في 1993.12.27، حيث بموجبه ظهرت مديريات جديدة نتيجة للتطورات الاقتصادية التي شهدتها البلاد في تلك الفترة، حيث أصبحت المديرية العامة للجمارك تحتوي على سبع مديريات مركزية وهي:
• مديرية التنظيم والتشريع الجمركي والتقنيات الجمركية.
• مديرية المنازعات.
• مديرية مكافحة الغش.
• مديرية القيمة والجباية.
• مديرية الموارد البشرية.
• مديرية الوسائل الإمدادية والمالية.
• مديرية الوقاية والأمن.
لقد استدعت الضرورة، النظر من جديد في المرسوم رقم 93-329، بحيث تم إدراج مديريتين جديدتين، تم بهما تدعيم مهمة الإدارة العامة للجمارك، بمقتضى المرسوم التنفيذي رقم 95-251 المؤرخ في 26 أوت 1995، المعدل والمتمم للمرسوم التنفيذي رقم 93-329، ويتعلق الأمر بـ:
• مديرية التكوين.
• مديرية المراقبة الجمركية للمحروقات.
و هكذا أصبحت المديرية العامة للجمارك، متكونة من تسع مديريات مركزية، أربعة مدراء دراسات، أربعة رؤساء مراكز وطنية وإحدى عشر مديرية جهوية.
عرفت الإدارة الجمركية، منذ الاستقلال إلى غاية سنة 2006، ثلاثة عشر مدير عام، الذي يمثل أعلى سلطة في هرم السلم الوظيفي بهذه الإدارة، ويمكن ذكرهم كالآتي:
بن حمزة حسيـن : 1962 – 1963.
يدي محمد الواسمي: 1963 – 1964.
ينــات بوعـلام : 1964 – 1966.
بن عيسى محـمـد: 1966 – 1971.
بن موسى محـمـد: 1971 – 1978.
وريشـي محـمـد: 1978 – 1982.
مـلاح عز الديـن: 1982 – 1985.
كريشم مصطـفـى: 1985 – 1987.
كنيفـد محـمــد: 1987 – 1990.
جباري أحمد شوقي: 1990 – 1993.
براهيم شايب شريف: 1993 – 2001.
سيـد علـي لبيـب: 2001 – 2006.
بودربالة: 2006 -......
ما يمكن تسجيله من خلال قائمة المدراء العامّون، أن تنصيبهم على رأس الإدارة الجمركية يتناسب مع مرحلة جديدة في تاريخ الاقتصاد الجزائري.
الفرع الثاني: مجال نشاط إدارة الجمارك
تمارس إدارة الجمارك عملها في سائر الإقليم الجمركي وفق الشروط المحددة في قانون الجمارك، وتنظم منطقة خاصة للمراقبة على طول الحدود البحرية والبرية، وتشكل هذه المنطقة النطاق الجمركي ، حيث يمثل هذا الأخير، كامل التراب الوطني، أين تقوم إدارة الجمارك بممارسة النشاطات المحددة طبقا للقانون.
يشمل النطاق الجمركي، منطقتين ، الأولى متعلقة بمنطقة بحرية، التي تتكون من المياه الإقليمية والمنطقة المتاخمة لها (zone contiguë) والمياه الداخلية، كما هي محددة في التشريع الجمركي المعمول به، أما الثانية تخص منطقة برية، تمتد على الحدود البحرية، من الساحل إلى خط مرسوم على بعد ثلاثين كلم منه، وعلى الحدود البرية من حد الإقليم الجمركي إلى خط مرسوم على بعد ثلاثين كلم منه.
عند الضرورة، وتسهيلا لمكافحة الغش الجمركي، يمكن تمديد عمق المنطقة البرية من ثلاثين كلم إلى غاية ستين كلم، كما أنه يمكن تمديد هذه المسافة إلى أربعمائة كلم في الولايات التالية: تندوف، أدرار وتمنراست.
المطلب الثاني: دور إدارة الجمارك.
إن التعرض إلى الدور الموكل لقطاع الجمارك، يؤكد لنا المسؤولية الكبرى على عاتقه، من حيث أنه ينشط عبر جبهات متعددة ومواقع شتى على طول القطر الجمركي الوطني وعرضه على امتداد 4000 كلم، حيث يسعى وفق المهمة المحددة له في قانون الجمارك، على مراقبة الحدود وأنواع النشاط البحري، ونشاط الموانئ في المجال الجمركي، إذ يخول له القانون حق تفتيش البضائع ووسائل النقل والبحث عن مواطن الغش التي قد تلحق بالاقتصاد الوطني ضررا سواء عند الدخول إلى الإقليم أو الخروج منه، وكذلك قمع المخالفات الجمركية وفق الأحكام القانونية التي تساهم إدارة الجمارك في تطبيقها.
السؤال الذي يطرح نفسه هل إدارة الجمارك هي إدارة جبائية أو إدارة اقتصادية؟ إن الاختيار بين هذين الدورين، شكل ولمدة طويلة سببا للاختلافات الموجودة فيما يخص الجمارك. ولقد وجه الاهتمام للدور الجبائي نظرا للجانب الجبائي للتقنيات التي تستعملها وكذا تقديم تبرير أنها تابعة للوزارة المكلفة بالمالية.
يرى البعض بأنها إدارة مكلفة بتحصيل الجباية، والبعض الآخر حسب رأيهم، فإن الضرائب الجمركية تمثل قبل أي شيء آخر وسيلة للظهور فقط، وبذلك يعترفون لهذه الإدارة بمكانتها الاقتصادية المعتبرة.
إلاّ أن هذا الاختلاف أصبح اليوم في طي النسيان، فنمو وتعدد هذه المسؤوليات على مستوى قطاعيها المتضادين، ألا وهما الجباية والاقتصاد، قد تسبب في عدم اعتراض أي أحد عن فكرة أن للجمارك دور مزدوج، اقتصادي وجبائي في آن واحد، كما أنه هناك أدوار أخرى تؤديها.
إن الازدواجية في التدخل جعلت من الجمارك، مؤسسة مشجعة، محفزة للمبادلات التجارية التي تؤدي إلى تطوير النشاطات الاقتصادية وحماية الاقتصاد الوطني من شتى الممارسات غير الشرعية كالإغراق.
الفرع الأول: الدور الاقتصادي والمالي.
كانت إدارة الجمارك في الأساس، مؤسسة جبائية، حيث اتجهت هذه الأخيرة أكثر فأكثر إلى الميدان الاقتصادي وذلك بالمشاركة بفعالية في التنمية الاقتصادية للبلاد، لكن داخل الميدان الاقتصادي، تقوم الجمارك بإظهار كذلك وجه مزدوج، حمائي وتحرري، حسب الظروف، والبعض القليل من التحيز أحيانا،غير أن حالة المفارقة هذه من الوهلة الأولى، لا تقوم إلا بالتعبير عن كون الإدارة التي كانت ولمدة طويلة في خدمة الحماية فقط، قد توجهت نحو أشكال جديدة للتدخل التي تميل إلى تكوين بالموازاة مع دورها التقليدي المتمثل في المراقبة المباشرة، وتحصيل الضرائب والرسوم الجمركية، بحكم المنهج العالمي لتحرير المبادلات، تكريس سياسة تستجيب لمتطلبات العالم الحديث.
إذ كانت في الماضي في خدمة الحماية، أما اليوم فيطلب منها المساعدة في توسيع رقعة المبادلات الدولية، ولهذا الغرض يستوجب عليها ضمان حياد الميكانيزمات الجمركية إزاء التجارة الخارجية. فهي مدعوة من جهة أخرى كذلك إلى المشاركة في حل بعض المشاكل الخاصة بترقية الصادرات خارج قطاع المحروقات.
تتكفل إدارة الجمارك بتأمين الاحترام الكامل لقوانين المبادلات الخارجية، دون أن يشكل ذلك عائقا في وجه تحرك السلع عبر الحدود، ودون التفرقة بين صفة المتعاملين الاقتصاديين سواء كانوا من القطاع العام أو الخاص، بل يجب النظر إلى هؤلاء بصفة موضوعية وحيادية باعتبار كل واحد منهم منتج للثروة. وبالتالي فهي تسعى كذلك إلى تنمية التجارة الخارجية، وهذا عن طريق سرعة تدخلها في المبادلات حتى تكون أكثر نجاعة، بإدخال ميكانيزمات جمركية حديثة في مختلف العمليات، ومما ساعدها في ذلك نظام المعلومات الآلي المتعلق بالتبادلات التجارية الدولية (نظام ناتاج).
نظرا لوجود الجمارك الدائم على الحدود، فقد أسند إليها دور إعداد إحصائيات التجارة الخارجية، التي تتعلق بالاتجاه العام للاستيراد والتصدير، القيمة والكمية الخاصة بالسلع المتبادلة، الموارد الجبائية المحصل عليها في فترة معينة، بحيث تؤدي هذه الإحصائيات دور كبير في توجيه سياسة الدولة الاقتصادية واتخاذ القرارات التي يقتضيها الواقع الاقتصادي.
يفترض أن تؤدي الإحصائيات دورا رئيسيا في هذا المجال، والجمارك هي التي تختص في هذا الشكل الجديد لمراقبة المبادلات، فالإحصائيات التي تقدمها الجمارك تتشكل إبتداءا من التصريحات المقدمة أثناء عمليات الجمركة.
فالأجهزة الإلكترونية الحديثة، التي تمتلكها اليوم، تسمح لها من تكوين في فترات قصيرة، لصالح المتعاملين الاقتصاديين، إحصائيات أكثر فأكثر تحضيرا وتنوعا والتي تمس كل القطاعات.
مع تفتح التجارة الخارجية على المبادلات العالمية، وفي ظل الإمكانيات المحدودة للانتاج الوطني وافتقاره للمقاييس الدولية التي تؤهله لمنافسة السلع الأجنبية، أصبح من الضروري عليها إيجاد وسائل جديدة لحماية الصناعات الناشئة (كفاءة إنتاجية وطنية) إلى جانب الوسائل التقليدية المستعملة كالضرائب الجمركية.
تحول دور إدارة الجمارك، ابتداء من سنة 1993، من مجرد تطبيق مباشر للنظم والتشريعات المبنية على الحمائية الاقتصادية إلى التفكير في الطرق الناجعة للتفتح الاقتصادي وتطبيقها ميدانيا عن طريق خلق الظروف الملائمة للتحكم أكثر في ميكانيزمات التجارة الخارجية، كالرواق الأخضر الذي شرع في تطبيقه والذي يسمح بالرفع الفوري للبضائع دون المراقبة المباشرة بعد دفع المستحقات الجمركية أو الكفالة.
صاحب تحرير التجارة الخارجية الكثير من المخاوف خاصة منها المتعلقة بتبذير العملة الصعبة في استيراد السلع الكمالية، بدلا من توظيفها في تدعيم الاقتصاد الوطني بالمنتجات الصناعية التي تدعم الآلة الإنتاجية وتسمح بدفع عجلة الاقتصاد إلى التقدم.
كما أن الهيئات والمنظمات المختصة في تأطير المبادلات الخارجية لم تكن بدورها على استعداد في أن تؤدي دورها كاملا في ظل الظروف الجديدة بسبب افتقارها لرؤية واضحة وحقيقية حول المستجدات التي أفرزها الانتقال من اقتصاد موجه تتحكم فيه الدولة إلى اقتصاد ليبرالي يعطي أكثر مبادرة للقطاع الخاص، وهكذا وفي محيط اقتصادي جد صعب، وجدت إدارة الجمارك نفسها أمام عدة مشاكل تهدد استقرار الاقتصاد الوطني، خاصة منها المتعلقة بالتهرب الضريبي، تهريب رؤوس الأموال إلى الخارج، عدم وجود فهم موحد للنصوص والتشريعات الجمركية، غياب الشفافية، وانتشار بعض التقديرات غير الموضوعية من طرف المصالح التابعة لها، فكان عليها أن تتخذ جملة من الإجراءات الانتقالية حتى تحد من الخطر الذي يهدد الاقتصاد الوطني، دون أن تعرقل التجارة الخارجية، فأقدمت على إنشاء لجنة وطنية للتقييم مكلفة بوضع قائمة تقييم بعض السلع التي كانت تشكل هدفا للغش والاحتيال من طرف بعض المستوردين، إضافة إلى ذلك، عملت على تطبيق حقوق ضد الإغراق (حقوق تعويضية)، في حالة اكتشاف ممارسات غير مشروعة كالإغراق والدعم.
إن الإنفتاح الاقتصادي، جعلها تسعى أكثر فأكثر إلى تسهيل عمليات جمركة البضائع بالنسبة للمتعاملين الاقتصاديين، وبهذا عملت على رفع الاختناق على المساحات التابعة للموانئ والمطارات من أجل أن تصبح مناطق عبور وليس مناطق تخزين، وبالتالي تصبح هذه الأخيرة قادرة على المنافسة الدولية، مما ينتج عنه تخفيض الأعباء المالية والتكاليف الإضافية المؤثرة في سعر تكلفة السلع المستوردة.
يرجع الفضل في هذا، إلى تطبيق الإجراءات القانونية والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، والمتعلقة أساس بالتسهيلات الجمركية في مجال معالجة تنقل الأشخاص ووسائل النقل والبضائع التي تعبر الحدود.
أدت عملية عصرنة وسائل التدخل والمراقبة إلى اللجوء إلى المعلوماتية في مجال تسيير المخاطر وفارق القيم (VALEURS FOURCHETTES) المتميز بالشفافية والموضوعية إلى التقليل من تدخلات العنصر البشري في عملية الجمركة وكذا تقدير القيمة الجمركية.
و بهذا تعتبر إدارة الجمارك العنصر الأكثر فعالية في تطبيق سياسة الدولة على مستوى التجارة الخارجية.
تعمل إدارة الجمارك، إلى جانب دورها الاقتصادي، على مراقبة احترام القوانين التي تنظم العلاقات المالية مع الخارج ومراقبة حركة رؤوس الأموال عن طريق مراقبة عنصر القيمة الجمركية المصرح بها عند الدخول أو الخروج من الإقليم الجمركي.