[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الجمعيات الخيرية وأولويات الخير
لا يمكن لأحد أن يشكك أو يقلل من أهمية الجمعيات الخيرية ودورها في سد حاجات المجتمع على اختلافها وتنوعها, بل هناك كثير ممن يرى في وجود الجمعيات الخيرية وقوة حضورها في المجتمع أنه دليل رقي ذلك المجتمع وعلو درجة تحضره. فالدولة المتقدمة وعلى ما عليه من غنى اقتصادي وقوة في تنظيم شؤون حياة مجتمعها, إلا أن كثيرا من حاجات تلك المجتمعات تكفلت بها المجتمعات نفسها, وذلك من خلال مؤسساتها الخيرية الكثيرة والمتنوعة. ومجتمعنا في المملكة وبما عنده من قيم وعادات وما يمتلكه من التزام ديني وأخلاقي هو من أكثر المجتمعات استعدادا وتقبلا للعمل الخيري, وهذا الاستعداد الاجتماعي يتطلب منا أن نحسن توظيفه خدمة لحاجاتنا الاجتماعية. وكلما أحسنت هذه الجمعيات من عملها وأدائها في سد حاجات المجتمع بادر المجتمع إلى دعم هذه الجمعيات ماديا ومعنويا ما يسهم في تسهيل وتطوير عملها لأنها ستكون محل ثقة المجتمع وسيتلمس المجتمع مصداقية نشاطاتها ومبادراتها.
فمن المهم أن تدرك الجمعيات الخيرية أن وظيفتها الرئيسة هي حاجات مجتمعها وأن هذه الحاجات في حاجة إلى تحديد نوعها وحجمها ومدى اتساعها اجتماعيا, لأن هذا يساعدها على التعرف على الحاجات التي يجب أن يعطى لها الاهتمام الأكبر في هذه المرحلة الزمنية. فتصنيف حاجات المجتمع ومن ثم توجيه جهود ونشاط الجمعيات الخيرية إلى الحاجات الأكثر إلحاحا والأشد طلبا هو في الحقيقة ترشيد لعمل الخير الذي تقوم به هذه الجمعيات. وفي غياب تحديد أولويات الخير في المجتمع قد يؤدي إلى أن تستهلك هذه الجمعيات في نشاطات قد تكون مهمة أو غير مهمة ولكن بالتأكيد هناك ما هو أهم منها. وهذا الحال أيضا يجعل الجمعيات الخيرية تكرر نفسها وفي العمل نفسه وغياب الكل عن مواقع عمل أخرى تمس حاجات للمجتمع بالدرجة من الأهمية نفسها أو أكثر. فترتيب حاجات المجتمع حسب أهميتها وأولويتها وعمل الدراسات البحثية في هذا المجال يجب أن يكون جزءا رئيسا في صميم عمل الجمعيات الخيرية.
فلو أردنا أن نستعرض بعض حاجات المجتمع المرحلية التي يدل كثير من المؤشرات على أهميتها في الوقت الحاضر نجد أن الفقر والإسكان هما من الحاجات الاجتماعية الأكثر حدة في الوقت الحاضر. فارتفاع مستوى الحياة نتيجة لارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية وغيرها قد وسع من دائرة الفقر عندنا وزاد من الضغوط الحياتية على الأسر الفقيرة. والفقر هو بحق أم المشكلات الاجتماعية وبسببه يدخل المجتمع في سلسلة من المشكلات والأزمات التي تضعفه وتهدد استقراره. فمحاربة الفقر حاجة تستحق أن تعطيها الجمعيات الخيرية أقصى اهتمامها وأن يأتي عملها ونشاطها في هذا المجال مكملا وداعما لدور الدولة في التعامل مع هذه المشكلة. على أن يكون تعامل الجمعيات مع هذه المشكلة متعدد الأوجه ولا يقتصر فقط على تقديم المساعدات المباشرة للعائلات الفقيرة.
أما الحاجة الأخرى التي باتت من المشكلات المتفق على خطورتها وأهمية إيجاد الحلول لها هي الإسكان. فهذه المشكلة إن لم نتصد لها بجدية مرشحة إلى أن تسحب معها كثيرا ممن هم في الطبقة الوسطى إلى دائرة الفقر. فالمملكة وعلى المستوى الحكومي مطالبة بأن توسع من اهتمامها لمواجهة هذه المشكلة, ولكن هذا وحده لا يكفي إن لم تقم جمعيات خيرية متخصصة في هذا المجال. فوجود مثل هذه الجمعيات يعطي الفرصة لكل شرائح المجتمع أن تسهم في حل هذه المشكلة وأن تأتي الحلول في إطار مشاريع كبرى تقلل من تكلفتها المادية. فالإسكان الخيري اليوم حاجة اجتماعية حقيقية وعندما تعطيها الجمعيات الخيرية الأولوية في اهتمامها فإنها بذلك تستجيب لما ينتظره المجتمع منها. ومجتمعنا اليوم زاخر بكفاءات هندسية وعمرانية مستعدة أن تشارك الجمعيات الخيرية بمعرفتها وخبراتها للخروج بحلول سكانية تتناسب وبيئتنا وأعرافنا الاجتماعية.
هناك, والحمد لله, في مجتمعنا رغبة قوية وثقافة واعية بأهمية العمل الخيري, وهذا خير رأسمال اجتماعي ينتظر من يستثمره ويوظفه لخدمة المجتمع نفسه, والجمعيات الخيرية هي الأقدر على القيام بهذا الدور. وفي إطار تعدد الحاجات وتبدلها مع الزمن ينتظر المجتمع من هذه الجمعيات أن تتحسس فعلا حاجاته الحقيقية والأكثر قربا لما يعانيه من مشكلات. فتحديد الأولويات وتوجيه الموارد لمثل هذه الحاجات تطوير مهم لعمل هذه الجمعيات الخيرية وتعزيز من دورها لخدمة مجتمعنا.